خرجت الأزمة إلى العلن إذًا، فلم يعد سبب الخلاف بين المغرب والإمارات مرهونًا فقط بموقف الأخيرة من حياد المغرب في الأزمة الخليجية التي اندلعت 5 يونيو (حزيران) 2017. فأبو ظبي -برأي الكثيرين- مصرة دومًا على التدخل في شئون الدول، وهي تركز الآن على دول الشمال الأفريقي، وقد وضعت صوب عينها المغرب منذ اندلاع ثورات الربيع العربي وتخوفت من وصول إسلاميي المغرب إلى سدة الحكم، وهي في سبيل ذلك تعمل على إطلاق قناة «سكاي نيوز المغرب»، دون استشارة الرباط، كما أنها تدعم اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر معرقلة بذلك «اتفاق الصخيرات»، الذي سعى فيه المغرب إلى دعم استقرار ليبيا.
المغرب يسبح بعيدًا عن الفلك الإماراتي
منذ اندلاع الأزمة الخليجية في 5 يونيو 2017 التي اتخذ فيها المغرب موقفًا محايدًا، والعلاقات المغربية الإماراتية تشهد حالة توتر بين مد وجزر، وفي آخر فصولها غادر السفير الإماراتي، علي سالم الكعبي المغرب الأسبوع الماضي، بناء على «طلب سيادي عاجل».
الملك المغربي
فالمغرب الذي أعلن رفضه الوصاية الدبلوماسية من طرف دول الخليج، انسحب من التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، فيما أعلن قبل أيام عن استثناء الإمارات من جولة خليجية قريبة للملك المغربي، كما قد سبق وأن زار وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة كل دول الخليج، ما عدا الإمارات، وذلك في 8 أبريل (نيسان) الجاري، ولم يتردد الملك المغربي في أن يعلن في القمة الأفريقية الأوروبية الأولى بمصر، أن هناك بلادًا عربية تتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية أخرى وتهدد استقرارها، وهو ما نظر إليه على أنه رسالة موجهة للإمارات والسعودية على حد سواء.
يقول الباحث المغربي محمد أجغوغ أن المغرب لم يكن يومًا بعيدًا عن اهتمامات الإمارات، فبعد ثورات الربيع العربي وضعت أبوظبي بلدان شمال أفريقيا ضمن مخططاتها بهدف إجهاض الربيع الديمقراطي، خاصة أن تلك البلدان كتونس وليبيا والتي عرفت باستقرارها وهدوئها النسبي كانت هي البلدان التي كسرت هذا الهدوء حتى تثبت للعالم أن الاستقرار الذي تعيش فيه في ظل أنظمة مستبدة، هو استقرار مغشوش.
ويوضح أجغوغ أن «المغرب عبر تاريخه، لا يتأثر بأحداث المشرق، وهو ما عرف بالاستثناء المغربي، صحيح أن هناك تأثرًا نسبيًّا ولكن تكون النتائج مخالفة غالبًا لما يحدث في المشرق»، ويضيف: «بالتالي فالإمارات حاولت أن تلعب دور الوصي على السياسة الخارجية المغربية، خاصة فيما يتعلق بإدخاله في لعبة المحاور، ولكن مرجعية اتخاذ القرار في المغرب هي المؤسسة الملكية التي تعتبر مؤسسة قوية جدًا، فتم الاصطدام، وقد جاء ذلك حين رفض المغرب الانضمام للسعودية والإمارات في حصارها لقطر، وجاءت زيارة محمد السادس الى الدوحة سنة 2017 إثباتًا على أن المغرب على مسافة مع الجميع، وبالتالي لن يخرط في لعبة المحاور في المشرق، والتي تقودها الإمارات ضد الربيع العربي في شمال أفريقيا».
ويشير أجغوغ خلال حديثه لـ«ساسة بوست» إلى أن صعود «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي بقيادة عبد الإله بنكيران ساهم أيضًا في نوع من تراجع العلاقة بين البلدين، فالإمارات لم تكن راضية عن وصول الإسلاميين إلى الحكم في المغرب، وتغريدة المسئول الإماراتي ضاحي خلفان الشهيرة التي هاجم فيها رئيس الحكومة بنكيران كادت أن تتسبب في توتر العلاقات بين البلدين.
وعن الغضبة المغربية الأخيرة من الإمارات، يقول الباحث المغربي أجغوغ أن الموقف المغربي يأتي في إطار «الدور التخريبي» الذي تقوم به الإمارات في شمال أفريقيا بعد الربيع العربي، موضحًا: «المغرب أصبح يلعب دور القوة الإقليمية والاقتصادية في غرب أفريقيا، وأصبح له موطئ قدم في أفريقيا، كما أنه يلعب دور سياسة الحياد الإيجابي في المنطقة، وهو الذي رعى اتفاق الصخيرات، بين الفرقاء الليبيين، والإمارات دعمت حفتر الذي سعى لإجهاض هذا الاتفاق والذي رفض التوصل إلى أي صيغة توافقية مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج المنبثقة من اتفاق الصخيرات».
هل «تنتقم» السعودية والإمارات من المغرب بالتقارب مع موريتانيا؟
كيف تهدد تصرفات الإمارات الأمن القومي المغربي؟
تعيش ليبيا على وقع نزاع على الشرعية بين حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليًا، وبين اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المدعوم من مجلس النواب في طبرق، وفي آخر فصول هذا النزاع يشن حفتر، منذ 4 أبريل الجاري، هجومًا على طرابلس من أجل انتزاع العاصمة من بين يدي حكومة الوفاق.
لافتة تندد بالتدخل الإماراتي في ليبيا
وقد كانت المغرب من أبرز الدول التي عملت على حل النزاع الليبي الداخلي، وتمثلت أبرز جهودها في توقيع اتفاق الصخيرات في مدينة الصخيرات المغربية في 17 من ديسمبر (كانون الأول) 2015، حيث رعت المغرب هذا الاتفاق الذي شمل أطراف الصراع في ليبيا، وجاء تحت رعاية الأمم المتحدة، بهدف إنهاء الحرب الأهلية الليبية الثانية، لكن مع استمرار تحركات حفتر العسكرية والسياسية في ليبيا بضوء أخضر إماراتي شعر المغرب بتراجع دوره نسبيًا، في القضية الليبية، الذي يعتبر اتفاق الصخيرات مرجعًا أساسيًا لحلها، حيث يهدف التنسيق الإماراتي السعودي في دعم حفتر إلى عرقلة هذا الاتفاق لصالح تنفيذ «المطامع» الإماراتية في ليبيا.
يقول الناشط الحقوقي والباحث في علم الاجتماع خالد البكاري أن تأثيرات الملف الليبي كان لها دور في التداعيات السلبية على علاقات المغرب بالإمارات، ويوضح لـ«ساسة بوست»: «الذي أزعج المغرب ليس دعم الإمارات لخليفة حفتر أساسًا، بل هو الانقلاب على مخرجات اتفاق الصخيرات، ذاك أن المغرب يعتبر استتباب الأمن في ليبيا له علاقة باستقرار شمال أفريقيا، وبالتالي يصب في الأمن الوطني للمغرب، وأي تطور في الاقتتال الأهلي الليبي ستكون له انعكاسات سلبية على الأمن والاستقرار بالمنطقة».
كذلك، يبين الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، والكاتب المتخصص في العلاقات الدولية خالد يايموت أن هناك ثلاثة أسباب رئيسة خلقت توترًا في العلاقات بين الإمارات العربية والمملكة المغربية، أولها قضية ليبيا وهي القضية التي أخرجت التوتر إلى العلن رغم أن بوادر الأزمة ظهرت منذ الشهور الأخيرة لسنة 2018، وذلك لأن المغرب يعتبر أن الوضع في ليبيا يمس مباشرة أمنه القومي ويربط الأزمة الحالية بليبيا بمستقبل وحدة المغرب الترابية.
ويؤكد يايموت خلال حديثه لـ«ساسة بوست» أن الإمارات خرجت عن الطبيعة التشاركية والتشاورية التي انتهجها البلدان في صناعة وممارسة السياسة الخارجية تجاه قضايا عربية وإقليمية ودولية معينة، ويعتبر المغرب أن النهج الجديد للإمارات مس بمصالحه في منطقة غرب أفريقيا، والتي لم يكن للإمارات أن تدخلها بنفوذها لولا الدعم المغربي المباشر، ويضيف: «كذلك يعتبر المغرب أن قيادة الإمارات لمشروع تغير الرؤية العربية فيما يخص القضية الفلسطينية، لا يخدم لا المنظومة العربية المفككة حاليًا ولا يخدم القضية الفلسطينية، خاصة أن السياسة الإماراتية الجديدة تهمش من الدور التاريخي للمغرب الخاص بالصراع العربي الصهيوني».
«سكاي نيوز المغرب».. أداة أبو ظبي الجديدة للتأثير في الداخل المغربي
أبت السعودية -على ما يبدو- إلا عقاب المغرب على مواقفه سابقة الذكر، وتعددت مظاهر ذلك، كأن تقوم بالتصويت ضد ترشح المغرب لاحتضان كأس العالم، أو تعزو لقناة «العربية» السعودية ببث تقرير في فبراير (شباط) 2019 عن الصحراء الغربية، تدعم فيه المزاعم بأن المغرب غزاها بعد أن غادرها المستعمر الإسباني عام 1975.
ولي العهد الإماراتي والملك السعودي
أما الإمارات وضمن جهودها للتوغل في منطقة شمال أفريقيا، من أجل التضييق على الحركات الإسلامية، ومنعها من الوصول للسلطة، فقد تحدثت مؤخرًا عن جهود لإطلاق قناة تليفزيونية جديدة تحت اسم قناة «سكاي نيوز المغرب» موجهة للجمهور المغربي، حيث يعمل الإماراتيون على صياغة خطة مفصلة لإطلاق هذه القناة باستغلال الإمكانيات المتاحة لدى قناة «سكاي نيوز» لتنفيذها دون استشارة الرباط، وتوجيه من ولي عهد أبو ظبي الشيخ «محمد بن زايد».
يقول الباحث المغربي محمد أجغوغ أن: «الاختراق الإعلامي الذي لعبته الإمارات في المغرب العربي ليس جديدًا، فالإمارات سيطرت على جميع المنابر الإعلامية الليبية التي تروج لحفتر، كما أن موقع «هسبريس» الذي يعتبر أكبر موقع إلكتروني إخباري مغربي ويحتل التصنيف الأول في الإعلام الإلكتروني لم يسلم حتى هو من التوظيف الإماراتي».
فيما يؤكد الباحث في علم الاجتماع خالد البكاري أن من أسباب توتر العلاقات بين المغرب والإمارات ظهور مؤشرات على تدخل مسؤولين إماراتيين في الشأن الداخلي المغربي، سواء عبر تصريحات ضاحي خلفان، أو عبر دعم شخصيات وصحافة مناوئة لإسلاميي المؤسسات القريبين نظريًا من الخط الإخواني، ويتابع القول: «نعم قد تكون الدولة العميقة في المغرب غير مطمئنة لتوالي النجاحات الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، ولكن هذه الدولة العميقة نفسها لها حساسية أكبر من التدخلات الخارجية المكشوفة في الشأن الداخلي للبلد، وسبق أن عاش المغرب أزمة دبلوماسية مع أقرب حلفائه بسبب هذا الأمر، أقصد فرنسا».
ويشدد البكاري لـ«ساسة بوست» على أن المغرب لم يتقبل سياسة الابتزاز التي مارستها الإمارات بمعية السعودية قبل أن تتراجع هذه الأخيرة، بخصوص علاقة المغرب التاريخية بدول الخليج، إذ حاولت ممارسة ضغط عليه حتى يتخلى عن سياسة الحياد التي اختارها بخصوص الخلاف القطري/الإماراتي السعودي.
ويستبعد البكاري أن تتدهور العلاقات المغربية الإماراتية لحد القطيعة التامة، ويقول: «المغرب في علاقاته مع شركائه التاريخيين مثل فرنسا وإسبانيا والإمارات والسعودية لا يدع الأمور تتطور نحو القطيعة النهائية، هناك مصالح استراتيجية مشتركة متعلقة بالصراع ضد النفوذ الإيراني، ومتعلقة بالمصالح الاقتصادية في أفريقيا»، ويختم بالقول: «الأمر بالنسبة للمغرب لا يعدو تذكيرًا بالأعراف المتواترة التي تعني عدم التدخل في الشأن الداخلي وعدم القيام بما يهدد أمن منطقة شمال أفريقيا التي هي عمق استراتيجي للمغرب».
هل يعود بنكيران للسّاحة السياسيّة المغربيّة عبر بوّابة الهجوم على الإمارات؟
The post أبو ظبي تسحب سفيرها في الرباط.. لماذا تجدد الخلاف بين المغرب والإمارات الآن؟ appeared first on ساسة بوست.
from ساسة بوست http://bit.ly/2L70SUx
فريق العمل
خرجت الأزمة إلى العلن إذًا، فلم يعد سبب الخلاف بين المغرب والإمارات مرهونًا فقط بموقف الأخيرة من حياد المغرب في الأزمة الخليجية التي اندلعت 5 يونيو (حزيران) 2017. فأبو ظبي -برأي الكثيرين- مصرة دومًا على التدخل في شئون الدول، وهي تركز الآن على دول الشمال الأفريقي، وقد وضعت صوب عينها المغرب منذ اندلاع ثورات الربيع العربي وتخوفت من وصول إسلاميي المغرب إلى سدة الحكم، وهي في سبيل ذلك تعمل على إطلاق قناة «سكاي نيوز المغرب»، دون استشارة الرباط، كما أنها تدعم اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر معرقلة بذلك «اتفاق الصخيرات»، الذي سعى فيه المغرب إلى دعم استقرار ليبيا.
المغرب يسبح بعيدًا عن الفلك الإماراتي
منذ اندلاع الأزمة الخليجية في 5 يونيو 2017 التي اتخذ فيها المغرب موقفًا محايدًا، والعلاقات المغربية الإماراتية تشهد حالة توتر بين مد وجزر، وفي آخر فصولها غادر السفير الإماراتي، علي سالم الكعبي المغرب الأسبوع الماضي، بناء على «طلب سيادي عاجل».
الملك المغربي
فالمغرب الذي أعلن رفضه الوصاية الدبلوماسية من طرف دول الخليج، انسحب من التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، فيما أعلن قبل أيام عن استثناء الإمارات من جولة خليجية قريبة للملك المغربي، كما قد سبق وأن زار وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة كل دول الخليج، ما عدا الإمارات، وذلك في 8 أبريل (نيسان) الجاري، ولم يتردد الملك المغربي في أن يعلن في القمة الأفريقية الأوروبية الأولى بمصر، أن هناك بلادًا عربية تتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية أخرى وتهدد استقرارها، وهو ما نظر إليه على أنه رسالة موجهة للإمارات والسعودية على حد سواء.
يقول الباحث المغربي محمد أجغوغ أن المغرب لم يكن يومًا بعيدًا عن اهتمامات الإمارات، فبعد ثورات الربيع العربي وضعت أبوظبي بلدان شمال أفريقيا ضمن مخططاتها بهدف إجهاض الربيع الديمقراطي، خاصة أن تلك البلدان كتونس وليبيا والتي عرفت باستقرارها وهدوئها النسبي كانت هي البلدان التي كسرت هذا الهدوء حتى تثبت للعالم أن الاستقرار الذي تعيش فيه في ظل أنظمة مستبدة، هو استقرار مغشوش.
ويوضح أجغوغ أن «المغرب عبر تاريخه، لا يتأثر بأحداث المشرق، وهو ما عرف بالاستثناء المغربي، صحيح أن هناك تأثرًا نسبيًّا ولكن تكون النتائج مخالفة غالبًا لما يحدث في المشرق»، ويضيف: «بالتالي فالإمارات حاولت أن تلعب دور الوصي على السياسة الخارجية المغربية، خاصة فيما يتعلق بإدخاله في لعبة المحاور، ولكن مرجعية اتخاذ القرار في المغرب هي المؤسسة الملكية التي تعتبر مؤسسة قوية جدًا، فتم الاصطدام، وقد جاء ذلك حين رفض المغرب الانضمام للسعودية والإمارات في حصارها لقطر، وجاءت زيارة محمد السادس الى الدوحة سنة 2017 إثباتًا على أن المغرب على مسافة مع الجميع، وبالتالي لن يخرط في لعبة المحاور في المشرق، والتي تقودها الإمارات ضد الربيع العربي في شمال أفريقيا».
ويشير أجغوغ خلال حديثه لـ«ساسة بوست» إلى أن صعود «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي بقيادة عبد الإله بنكيران ساهم أيضًا في نوع من تراجع العلاقة بين البلدين، فالإمارات لم تكن راضية عن وصول الإسلاميين إلى الحكم في المغرب، وتغريدة المسئول الإماراتي ضاحي خلفان الشهيرة التي هاجم فيها رئيس الحكومة بنكيران كادت أن تتسبب في توتر العلاقات بين البلدين.
وعن الغضبة المغربية الأخيرة من الإمارات، يقول الباحث المغربي أجغوغ أن الموقف المغربي يأتي في إطار «الدور التخريبي» الذي تقوم به الإمارات في شمال أفريقيا بعد الربيع العربي، موضحًا: «المغرب أصبح يلعب دور القوة الإقليمية والاقتصادية في غرب أفريقيا، وأصبح له موطئ قدم في أفريقيا، كما أنه يلعب دور سياسة الحياد الإيجابي في المنطقة، وهو الذي رعى اتفاق الصخيرات، بين الفرقاء الليبيين، والإمارات دعمت حفتر الذي سعى لإجهاض هذا الاتفاق والذي رفض التوصل إلى أي صيغة توافقية مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج المنبثقة من اتفاق الصخيرات».
هل «تنتقم» السعودية والإمارات من المغرب بالتقارب مع موريتانيا؟
كيف تهدد تصرفات الإمارات الأمن القومي المغربي؟
تعيش ليبيا على وقع نزاع على الشرعية بين حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليًا، وبين اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المدعوم من مجلس النواب في طبرق، وفي آخر فصول هذا النزاع يشن حفتر، منذ 4 أبريل الجاري، هجومًا على طرابلس من أجل انتزاع العاصمة من بين يدي حكومة الوفاق.
لافتة تندد بالتدخل الإماراتي في ليبيا
وقد كانت المغرب من أبرز الدول التي عملت على حل النزاع الليبي الداخلي، وتمثلت أبرز جهودها في توقيع اتفاق الصخيرات في مدينة الصخيرات المغربية في 17 من ديسمبر (كانون الأول) 2015، حيث رعت المغرب هذا الاتفاق الذي شمل أطراف الصراع في ليبيا، وجاء تحت رعاية الأمم المتحدة، بهدف إنهاء الحرب الأهلية الليبية الثانية، لكن مع استمرار تحركات حفتر العسكرية والسياسية في ليبيا بضوء أخضر إماراتي شعر المغرب بتراجع دوره نسبيًا، في القضية الليبية، الذي يعتبر اتفاق الصخيرات مرجعًا أساسيًا لحلها، حيث يهدف التنسيق الإماراتي السعودي في دعم حفتر إلى عرقلة هذا الاتفاق لصالح تنفيذ «المطامع» الإماراتية في ليبيا.
يقول الناشط الحقوقي والباحث في علم الاجتماع خالد البكاري أن تأثيرات الملف الليبي كان لها دور في التداعيات السلبية على علاقات المغرب بالإمارات، ويوضح لـ«ساسة بوست»: «الذي أزعج المغرب ليس دعم الإمارات لخليفة حفتر أساسًا، بل هو الانقلاب على مخرجات اتفاق الصخيرات، ذاك أن المغرب يعتبر استتباب الأمن في ليبيا له علاقة باستقرار شمال أفريقيا، وبالتالي يصب في الأمن الوطني للمغرب، وأي تطور في الاقتتال الأهلي الليبي ستكون له انعكاسات سلبية على الأمن والاستقرار بالمنطقة».
كذلك، يبين الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، والكاتب المتخصص في العلاقات الدولية خالد يايموت أن هناك ثلاثة أسباب رئيسة خلقت توترًا في العلاقات بين الإمارات العربية والمملكة المغربية، أولها قضية ليبيا وهي القضية التي أخرجت التوتر إلى العلن رغم أن بوادر الأزمة ظهرت منذ الشهور الأخيرة لسنة 2018، وذلك لأن المغرب يعتبر أن الوضع في ليبيا يمس مباشرة أمنه القومي ويربط الأزمة الحالية بليبيا بمستقبل وحدة المغرب الترابية.
ويؤكد يايموت خلال حديثه لـ«ساسة بوست» أن الإمارات خرجت عن الطبيعة التشاركية والتشاورية التي انتهجها البلدان في صناعة وممارسة السياسة الخارجية تجاه قضايا عربية وإقليمية ودولية معينة، ويعتبر المغرب أن النهج الجديد للإمارات مس بمصالحه في منطقة غرب أفريقيا، والتي لم يكن للإمارات أن تدخلها بنفوذها لولا الدعم المغربي المباشر، ويضيف: «كذلك يعتبر المغرب أن قيادة الإمارات لمشروع تغير الرؤية العربية فيما يخص القضية الفلسطينية، لا يخدم لا المنظومة العربية المفككة حاليًا ولا يخدم القضية الفلسطينية، خاصة أن السياسة الإماراتية الجديدة تهمش من الدور التاريخي للمغرب الخاص بالصراع العربي الصهيوني».
«سكاي نيوز المغرب».. أداة أبو ظبي الجديدة للتأثير في الداخل المغربي
أبت السعودية -على ما يبدو- إلا عقاب المغرب على مواقفه سابقة الذكر، وتعددت مظاهر ذلك، كأن تقوم بالتصويت ضد ترشح المغرب لاحتضان كأس العالم، أو تعزو لقناة «العربية» السعودية ببث تقرير في فبراير (شباط) 2019 عن الصحراء الغربية، تدعم فيه المزاعم بأن المغرب غزاها بعد أن غادرها المستعمر الإسباني عام 1975.
ولي العهد الإماراتي والملك السعودي
أما الإمارات وضمن جهودها للتوغل في منطقة شمال أفريقيا، من أجل التضييق على الحركات الإسلامية، ومنعها من الوصول للسلطة، فقد تحدثت مؤخرًا عن جهود لإطلاق قناة تليفزيونية جديدة تحت اسم قناة «سكاي نيوز المغرب» موجهة للجمهور المغربي، حيث يعمل الإماراتيون على صياغة خطة مفصلة لإطلاق هذه القناة باستغلال الإمكانيات المتاحة لدى قناة «سكاي نيوز» لتنفيذها دون استشارة الرباط، وتوجيه من ولي عهد أبو ظبي الشيخ «محمد بن زايد».
يقول الباحث المغربي محمد أجغوغ أن: «الاختراق الإعلامي الذي لعبته الإمارات في المغرب العربي ليس جديدًا، فالإمارات سيطرت على جميع المنابر الإعلامية الليبية التي تروج لحفتر، كما أن موقع «هسبريس» الذي يعتبر أكبر موقع إلكتروني إخباري مغربي ويحتل التصنيف الأول في الإعلام الإلكتروني لم يسلم حتى هو من التوظيف الإماراتي».
فيما يؤكد الباحث في علم الاجتماع خالد البكاري أن من أسباب توتر العلاقات بين المغرب والإمارات ظهور مؤشرات على تدخل مسؤولين إماراتيين في الشأن الداخلي المغربي، سواء عبر تصريحات ضاحي خلفان، أو عبر دعم شخصيات وصحافة مناوئة لإسلاميي المؤسسات القريبين نظريًا من الخط الإخواني، ويتابع القول: «نعم قد تكون الدولة العميقة في المغرب غير مطمئنة لتوالي النجاحات الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، ولكن هذه الدولة العميقة نفسها لها حساسية أكبر من التدخلات الخارجية المكشوفة في الشأن الداخلي للبلد، وسبق أن عاش المغرب أزمة دبلوماسية مع أقرب حلفائه بسبب هذا الأمر، أقصد فرنسا».
ويشدد البكاري لـ«ساسة بوست» على أن المغرب لم يتقبل سياسة الابتزاز التي مارستها الإمارات بمعية السعودية قبل أن تتراجع هذه الأخيرة، بخصوص علاقة المغرب التاريخية بدول الخليج، إذ حاولت ممارسة ضغط عليه حتى يتخلى عن سياسة الحياد التي اختارها بخصوص الخلاف القطري/الإماراتي السعودي.
ويستبعد البكاري أن تتدهور العلاقات المغربية الإماراتية لحد القطيعة التامة، ويقول: «المغرب في علاقاته مع شركائه التاريخيين مثل فرنسا وإسبانيا والإمارات والسعودية لا يدع الأمور تتطور نحو القطيعة النهائية، هناك مصالح استراتيجية مشتركة متعلقة بالصراع ضد النفوذ الإيراني، ومتعلقة بالمصالح الاقتصادية في أفريقيا»، ويختم بالقول: «الأمر بالنسبة للمغرب لا يعدو تذكيرًا بالأعراف المتواترة التي تعني عدم التدخل في الشأن الداخلي وعدم القيام بما يهدد أمن منطقة شمال أفريقيا التي هي عمق استراتيجي للمغرب».
هل يعود بنكيران للسّاحة السياسيّة المغربيّة عبر بوّابة الهجوم على الإمارات؟
The post أبو ظبي تسحب سفيرها في الرباط.. لماذا تجدد الخلاف بين المغرب والإمارات الآن؟ appeared first on ساسة بوست.
https://ift.tt/eA8V8J April 26, 2019 at 09:00PM
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق